info@syrian-youth.org

احتفِ بعاديّتك

احتفِ بعاديّتك

وسط كل ما نقرأ ونسمع ونرى في عالمٍ منفتحٍ لم يعد له حد، ومجتمعاتٍ لم تعد تعرف خصوصية، نجد أنفسنا دوماً مطالبين بالعمل أكثرو بالجدَ أكثر دون أن نصل لحدٍ من الشعور بالإنجاز، فكيف بالاحتفاء به، كلُّ من حولنا هم مبدعين بطريقةٍ ما، أبطالٌ خارقين في شيءٍ ما، نجحوا في مجالٍ معين وتخطوا حدود إمكانياتهم، وبالتالي ودون وعي منا سنقارن أنفسنا بهم، نجتهد، نتعب، وأحياناً نضيع البوصلة، فنجد أننا مهما حاولنا الوصول لا نصل، نطمح لدرجاتٍ من الكمال ونحن ندرك أن لا أحد يصلها، لربما هي حيلة التميز، رغبتنا اللامتناهية بأن نكون خارقين للعادة لننجح وننال القبول الاجتماعي.

ولكن هل ألا نكون مميزين سيءٌ لهذا الحد؟ أليس كل منا مميزٌ بأمرٍ أو أكثر دون أن يكون هذا الأمر خارقٌ للعادة؟ هل التميز ضروريٌ لحياة مستقرة وهانئة؟ دعني بدايةً أستشعر وقع العبارة التالية عليك: ” أنت عادي “

حسناً… هوّن عليك، ليست العاديّة أصلاً بهذا السوء، فما معنى أن تكون عادياً؟ مثلاً، أن تتخرج من الجامعة بمعدل مقبول، تجد وظيفة، تلتزم بها، تحاول التعلم باستمرار، تحاول تجربة مغامرات جديدة، سعيدٌ في الوسط الذي تنتمي إليه وبحفنة الأصدقاء الذين تقابلهم، لربما من الخارج لا مميز بك، إنك شخص عادي، لست بارعاً في فن الطبخ أو في الرسم أو الكتابة أو الغناء أو أي من الفنون الإبداعية، ربما ستظل في وظيفتك الروتينية سنين عدة، وربما ستحاول أن تبدأ مشروعا خاصا بك، من المرجح أن ينظر إليك المجتمع على أنّك عادي تقوم فقط بواجبك لا أكثر، لكن مع كل ما تفعله يجدر بك أن تكون سعيد.

يمكننا أن نملك حلماً كبير جداً لا يدعنا نطمئن في نومنا ، لا بأس، بل وحقه علينا أن نجتهد لأجله ونتبناه إلى أن نصله، أن نتبعه، إن كنت قادراً على أن تتخلى عن مواهبك الصغيرة في الرسم أو الكتابة وحتى في التأريخ كتشرشل وتؤمن حقاً بما تريد أن تصله كأن تكون سياسياً محنكاً، تحصد جائزة نوبل للآداب، وتصنف من أكثر الشخصيات شعبية في تاريخ بريطانيا حتى بعد وفاتك بعقود كما آمن رئيس وزراء بريطانيا حينما قال: ” التاريخ سيكون لطيفاً معي فأنا أنوي كتابته ” فنحن أمام شخصيةٍ استثنائية، لكن هناك تلك الأحلام الصغيرة، ليس علينا دوماً أن نركز على أهدافٍ كبيرةٍ و بعيدة ، هناك ذاك الإنسان العادي المجتهد، الطموح ، الراغب دوماً بالتعلم، والذي يشعر أمام ذاك الطوفان من ” اتبع شغفك ” و ” لا مستحيل أمام أحلامك” بأن كل ما يفعله غير كافٍ، فليأخذ نظرة على التاريخ، التاريخ الذي يخبرنا أنّ المؤثرين وأصحاب الأهداف الكبيرة والأفكار الغير عادية ليسوا كثر، ولربما ما نحن مميزين به حقاً يتجلى في حياتنا اليومية، في قدرتنا على الاستماع بودٍ وتعاطف، في تقديم المساعدة للجميع وفي كل وقت، في شيء بسيط لا نلحظه ” من الشجاعة أن يسعى الإنسان لحياة مليئة بالعظمة، لكنّه يحتاج لشجاعةٍ أكبر كي يرى الجمال والإنجاز في حياته العادية “.

دعني أفسر لك الأمر من زاويتي , إنك مميز في فن العيش ، تعرف كيف تعيش ، كيف تسعد نفسك و تشعر بالرضا عنها، لربما لديك موهبة في أمر ما لم تكتشفه بعد، و لربما يشغل بالك فكرة لم تر النور بعد، لكنّ حياتك هادئة و لطيفة ، إنك لست غنياً و ربما لست مشهوراً على السوشال ميديا، لكنك تستمتع حين تخرج من منزلك صباحاً، تستمتع وأنت تتعلم كل يوم ، تستمتع بعلاقاتك تقدرها و تبني علاقات جديدة ، تستمتع أيضا حين تقدم المساعدة لأحد أفراد أسرتك و حين تحل مشكلة صديقك فقط بأن تتعاطف معه وتستمع إليه، وحين تخلد في أخر النهار لسريرك و أنت مؤمنٌ أن غدا سيكون أجمل.

ليس الأمر بهذه الصعوبة أو تلك البساطة، إنه في نظرتنا ومدى وعينا، وربما كتب التنمية الذاتية ستصنفه بقوة اللحظة أن تعيش حاضرك دون ذكريات عن ماضٍ سحيق، أو خوفٍ من مستقبلٍ مجهول، وهو ليس بالأمر الصعب إنه يتطلب ممارسةً فحسب، ” ارتشف الشاي من فنجانك بهدوء وكأنه المحور الذي يدور حوله الكون، واستشعر كل رشفة ولا تفكر بالمستقبل، فهذه اللحظة الآن هي الحياة ” أنت لا تدرك أنك تعيش حياة يحتاج غيرك الكثير من الكتب والورشات التدريبية ليصلها.

والأن هل ستنزعج من كونك عادي أم ستحتفِ بعاديّتك ؟؟؟

بقلم: Wala’a Matta’a
#أصوات_الشباب_السوري
مقالات الرأي المنشورة في تجمع الشباب السوري لا تعبر عن عن وجهة نظر التجمع و هي تعبر فقط عن وجهة نظر الكاتب.
يمكنكم مشاركتنا مقالاتكم وأصواتكم من خلال إرسالها للنشر عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/forms/QclfhPju3cfXiUb83